الدراما الحزينة:
في نهاية المطاف وبعد احتدام الصراع في حلقات مسلسلٍ طويل، جاءَ البطلُ من بعيد، ممتطيًا جوادهُ بيدهِ سيفه، وبعد شهورٍ وربما سنواتٍ من الفرصِ الضائعةِ، يأتي هو في الوقتِ المناسبِ تمامًا، ليقتنصَ الفُرصةَ الأخيرة؛ مُقبِلًا محبوبتهُ أمامَ الجميع واضعًا الترياقَ في فمها، لتُدبَ فيها الروحُ أخيرًا، هكذا بعد أن عجزَ الطِبُ عن مداواتها، وقُربُ الأهلِ عن شفائها والصحبُ عن إيقاظها، أتى هذا المغوارُ من آخرِ الدُنيا متممًا ما عجزَ هو وغيرهُ عن إتمامه.
لو استطاعَ الفارسُ من لحظتهِ الأولى أن يعثرَ على الترياقِ لما كان المسلسلُ جاذبًا للانتباه، ولما اهتممتَ أنت بمتابعته إلى اللحظاتِ الأخيرة، لذلك فإن للفرصةِ الأخيرةِ مذاقُها الخاص، لمن يعيشُها ولمن يشاهدها، هذه الغصةُ التي تلازمُ القلبَ لسنين من التجربةِ والفشل والسعي والكدِ والأمل ثم السقوطِ والمحاولة المستميتة المستجدة!
هل هي الفرصةُ الأخيرة؟ لا ندري! لكنه النهائي الرابع في عشرِ سنواتٍ عجافٍ على ميسي ورفاقه، بدءً من نهائي كأس العالم 2014 أمام الأرجنتين مرورًا بنهائي الملعب الوطني أمام تشيلي عام 2015 وصولًا إلى نهائي الكوبا 2016 أمام نفس الخصم؛ تشيلي.
سدد ميسي بيمناهُ واحدةً في نهائي 2014 كانت بعيدة عن نوير، وأضاعَ ضربتي جزاءٍ في نهائيي تشيلي 2015 و2016 حسمت اللقب للخصم، ليُخفقَ الفارسُ 3 مرات في وضعِ الترياقِ في موضعه الصحيح، ويتعثر فرسُه في أشد اللحظات التي كانت محبوبته في حاجةٍ إليه.
الفرصةُ الأخيرة:
بتاريخِ العاشر من يوليو / تموز من العام 2021، يتبارى الفارسُ على مسرحِ الغريم في التاسعةِ بتوقيتِ البرازيل على ملعب الماراكانا أكبر الملاعب البرازيلية على الإطلاق، يستعدُ ليونيل أندريس ميسي لخوضِ الفرصةِ الأخيرة، بعيدًا عن موطنه روزاريو بـ 2500 كم، حاملًا على عاتقه أحلامَ الملايين من أبناءِ شعبه، ومئات الملايين من محبيهِ حولَ العالم!
حان موعدُ الانتصار، هكذا تقولُ الرواية، وهكذا يجبُ أن تنتهي القصة، البرازيلُ التي لم تخسر أي نهائيٍ على أرضها في التاريخ، على موعدٍ هذه الليلة من خسارة النهائي الأول، أمامَ غريمها الأول، وبطلِ قصة بعنوانِ الخُذلانِ في كل موعد، وهذه الخسارةُ لا تعتمدُ على كُرة القدم، بل لأن “السكريب بيقول كدة”، هكذا تخبرنا القصص، تتعقد ثم تتعقد، ليأتي الفارسُ من بعيد، جالبًا الترياقَ إلى محبوبته وهي تُصارعُ آخر أنفاسِ الموت.
عزيزي القارئ، ستفوزُ الأرجنتين اليوم، ليسَ لأنها الأفضل في المباراة، ولا لأنها كانت الأفضل في البطولة، ولا لأنها تستحقُ الفوزَ اليوم، ستفوزُ لأن أحدًا لا يحاولُ ذاك الكم من المُحاولاتِ لا يفوزُ في النهاية!
سيستجمعُ الأرجنتيني ما قيلَ عنهُ منذ سنينٍ مُسننه، وأيامٍ طواها الخُذلان والنسيان، رفقه المنتخب والنادي، كُل ذلك سيكونُ دافعًا ذهبيًا ليأكل الأخضر واليابس فداءً لكأس واحدة، يحملها قائدُ الأرجنتين وبطُلها التاريخي، الذي لم يُستطع ولا مرةٍ حملَ لقبِ الكوبا أغلى الألقابِ اللاتينية.
ميسي؛ الذي كان تحت رحمةِ بالازيو في الحينِ الذي كان يستطيعُ فيهِ الأخيرُ أن يودِعَ الكُرةَ في شباكِ نوير، ليرفع الكُرةَ بشكلٍ غير مفهوم في الدقيقة السادسة والتسعين، وبطريقة يصعب استيعابُها أعلاهُ وأعلى نوير، لتضيعَ الكُرةُ ويضيعَ ما تبقى من حُلمٍ في رفعِ كأسِ العالم.
ركلتا جزاء، وعدد لا بأس بهِ من الكُراتِ المُهدرةِ وعبراتٌ ودمعاتٌ انسكبت وسقطت، ورأسٌ منكسةٌ وصورةٌ باتت معروفةً مع كلِ خُذلانٍ جديد يا ميسي، كان على الكُرةِ في واحدةٍ فقط، واحدةٍ فقط من تلك الكُرات أن تُغير مقدارَ قوتِها، أو تُعدِل من اتجاهها، كما فعلت مع لاعبين كُثر وكما سطرت من قصصٍ دراميةٍ خُلدت في التاريخ.
ستُنصف كرةُ القدمِ من خذلتهُ لأيام، ومن أوصدت في وجهه الأبواب، هذا الذي قيلَ عنهُ الشعر وكُتبَ من أجله النثرُ في كرةِ القدم؛ “البابا، ووحده وحده، وكبيرهم على الصغرِ”. وغيرَ ذلك من جنونِ المعلقين وتوهجِ الكثيرين لاصطدامِ الجلد المُدَورِ بيسراهُ أو مراقصتهِ بها في الميدان الأخضر.
اليوم، موعدُ النهاية السعيدة.
نحنُ على موعدٍ اليوم، مع نهايةِ أُراهنُ على أنها ستكونَ سعيدةً لبطلٍ استثنائي، وفارسٍ غير اعتيادي، سيعودُ بالترياقِ من ميدانِ غريمه، وسيُحرزُ هو هدفَ الانتصارِ الذي سيُجنُ معه جنونهُ وجنونُ من يرونه، هكذا بلغة القصة المكتوبةِ سلفًا، ستكونُ نهايةٌ درامية تستحقُ أن تُكتب، ويستحقُ أن يسطِّرها التاريخ كنهايةٍ سعيدة، لقصةٍ بلغ مدى صعوبتها حدَ السماء!
سيُعانقُ ميسي كأس الكوبا، وستنهمرُ الدموعُ مني على أملَ ألا أكونَ في حُلم، وسترتطمُ قدماي في الأرضُ وسأسرفُ في الصُراخ، أُخبُركَ بذلك قبل حدوثه، أملًا في حدوثه، وخوفًا من خُذلانٍ جديد آتٍ، يلحقُ بآخرين. لكني على ثقةٍ بأن ليونيل سيضعُ سيفهُ في الخدرِ المحددِ لذلك، وفي الوقتِ المناسب، لتنتهي دراما سنواتِ الفرصِ الضائعة، بنهايةٍ تُعجب الجميع!
حانَ الموعدُ لكتابةِ التاريخ، وعلى كاتبِ التاريخِ بعدها أن يُغلقَ الصفحات، فهذه نهايةٌ تليقُ بالفارسِ والبطل، ليونيل ميسي.